الاثنين، 11 مايو 2009

العقل الباطن... بين الحقيقة و الخيال

قبل أكثر من عشرين سنة كان العلماء لا يزالون يتخبطون في جدل كبير حول مسألة اللاشعور أو العقل اللاوعي، حول مفهومه و دوره في التأثير على السلوك، حتى أنه ذهب البعض من علماء النفس أمثال سيغموند فرويد إلى اعتباره الجزء الأكبر من حياتنا النفسية و أنه هو الذي يتحكم في كل سلوكاتنا لكننا نجهل ذلك !
و في العصر الحديث بدأ يتلاشى هذا النقاش و تم الاعتراف بوجود وجه ثان من حياتنا النفسية يصعب الغوص فيها و توجيهها إلا ببعض التقنيات مثل التنويم المغناطيسي الذي استعمله الأطباء النفسانيون في وقت من الأوقات. و في العصر الحديث ظهر علم جديد يدعى البرمجة اللغوية العصبيةNLP أو ما يحلو للبعض تسميته بهندسة السلوك البشري، بمعنى العلم الذي من خلاله يمكن السيطرة التامة و التعديل و توجيه العقل و الروح و من ثم الفرد إلى الهدف الذي نرسمه و نحدده و تكون النتائج مدهلة تماما. و من بين أسرار هذا العلم التحكم في "العقل الباطن" المسؤول الأول على رغباتنا و اعتقاداتنا و حكمنا المسبق على قدراتنا الخاصة و إمكانية إدراك الهدف من عدمه.
العقل قسمان :
العقل الواعي و هو "الوعي" في ذاته، أي الإدراك التام لما يصدر عن الفرد من سلوكات ظاهرة كالحركة و الكلام.. و باطنة كالتفكير و التخيل، و هذا الإدراك في حد ذاته في مفهوم السيكلوجيون عمليات معقدة و متداخلة لا يمكن الفصل بينها إلا من الناحية المنطقية، و هي أحيانا تبدو غامضة و غير قابلة للتفسير مثل بعض الظواهر التي يسميها أهل الاختصاص بالتخاطر أو "إدراك ما يفكر فيه الآخرون" ... و العقل الواعي لا يمكن فصله عن الجانب البيولوجي للإنسان حتى أننا نخلط بين العقل و "المخ" الذي هو الجملة العصبية المتحكمة في كل أعضائه صغيرة و كبيرة.
أما العقل الباطن، فهو ـ كما تبين تسميته ـ خفي و غير ظاهر بشكل مباشر، لكنه هو المسؤول الأول عن التحكم في الكثير من أركان الشخصية و أهمها الإرادة التي بدورها تتحكم في السلوك.
كيف نغير السلوك بالتاثير على العقل الواعي ؟
كلنا يعرف أن مجرد التفكير في الليمونة و قطعها إلى نصفين و عصرها في فمك... يسيل اللعاب، فرغم أن العقل الواعي يدرك أن هذا مجرد خيال إلا أن العقل الباطن لا يدرك ذلك و يصدق فيصدر أوامره للغدد اللعابية.. و قس على ذلك في كل الإيحاءات التي يتلقاها الواحد منا بشكل مباشر أو غير مباشر فيصدق العقل الباطن و يؤمن بكل ما يسمعه و يحفظه .. و هذا هو سر المعلنين في ممارسة إعلاناتهم الإشهارية فهم يخاطبون العقل الباطن الذي يوجه رغباتنا و اختيارتنا و قد يغير الكثير من قناعاتنا.
لماذا يتأثر الأطفال و حتى الراشدين بالرفقاء الصالحين أو الطالحين ؟ إنه العقل الباطن الذي يتقمص و يتبنى كل تلك الإيجاءات الواردة من أي مصدر كان.
كيف نستفيذ من العقل الباطن ؟ يرى المتخصصون في البرمجة اللغوية العصبية أنه يمكن استثمار هذا الاكتشاف في تنمية و تطوير إرادتنا و توجيهها نحو أهداف بعينا .
هل تعلم أنك إذا حدثت نفسك بفكرة ما كل يوم عدة مرات ستصبح مبدءا من مبائك لا يمكن الاستغناء عنه أبدا ؟ و أنك إذا فكرت في هذف ما كل صباح و مساء، ستسعى إلى تحقيقه و لن يكون صعب المنال؟
لذلك يقول العلماء "إحذر مما تحدث به نفسك، لأن كل كلمة ستصبح فكرة، و الفكرة تغير حياتك" و ما ينطبق عليك ينطبق على الآخرين. فالناس على حسب شخصياتهم، متفاوتون في تقبل "الإيحاء" الذي هو الفكرة التي تصل إلينا بشكل مباشر أو غير مباشر و تبقى ترن في أذهاننا لحظة حتى و لو رفظها العقل الواعي رفظا قاطعا، إلا انه ليس له سلطان على العقل الباطن الذي قد يؤمن بها فيغير بها حياتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق